20111101

نص خطاب السلطان قابوس أمام مجلس عمان الأثنين 2011/10/31


نص خطاب السلطان قابوس أمام مجلس عمان الأثنين 2011/10/31: 
" الحمد لله الذي وعد الشاكرين بمزيد من النعم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة لسائر الأمم وعلى اله وصحبه ومن سار على نهجهم القويم الى يوم الدين . أعضاء مجلس عمان الكرام .. أيها المواطنون الأعزاء .. باسم الله العلي القدير نفتتح هذا اليوم المبارك الميمون الفترة الخامسة لمجلس عمان حامدين المولى تبارك وتعالى على جزيل نعمائه ووافر منه وعطائه ضارعين اليه ان يسبغ على عمان من خيره وفضله وجوده وكرمه وعنايته ورعايته ما يضفي عليها مزيدا من التطور والنماء والبركة والرخاء انه مجيب الدعاء . لقد تحدثنا من قبل وفي مثل هذه المناسبة الجليلة عن تجربة الشورى العمانية وعن النهج المتدرج الذي اخترناه لإقامة بنيانها وإعلاء أركانها على قواعد ثابتة ودعائم راسخة تضمن لها التطور الطبيعي الذي يلبي متطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني وبما يستجيب لحاجات المجتمع ويواكب ــ ضمن رؤية مستقبلية واعية وخطوات تنفيذية واعدة ــ تطلعاته الى مزيد من الإسهام والمشاركة في صنع القرارات المناسبة التي تخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين إن كثيرا من الانجاز الملحوظ قد تحقق على طريق هذه التجربة المباركة خلال المرحلة الماضية وإذ نعبر عن شكرنا للجهود التي بذلت في هذا الجانب . فأننا نتطلع الى نقلة نوعية للعمل الوطني الذي سيقوم به مجلس عمان في المرحلة القادمة في ضوء ما أتيح له من صلاحيات موسعة في المجالين التشريعي والرقابي ولاريب ان التحديات كبيرة غير أننا على ثقة تامة من أن جميع أعضاء المجلس سوف يمارسون دورهم الفاعل ويقدمون جهدهم وعطاءهم الباذل من اجل السير قدما بهذا الوطن الغالي نحو آفاق العزة والمجد والرقي والازدهار والامن والاستقرار واضعين نصب أعينهم تلك المسؤوليات الجسيمة التي توجب على مجلسهم كهيئة تشارك في صنع القرار . وعليهم هم أيضا كمواطنين يسعون لرفعة وطنهم القيام بعمل دائب متواصل من أجل إنجاح الخطط الرامية لدعم إمكانات السلطنة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وبما يخدم الصالح العام ويرتقي بمكانة البلاد ومنزلتها الإقليمية والدولية ويساعدها على تحقيق التزاماتها في الداخل والخارج دون تباطؤ او تأخر . وبديهي أن هذا الأمر يقتضي تعاونا اكبر وتنسيقا أكثر بين الجهات الحكومية ومجلس عمان خاصة وبينهما وبين القطاع الخاص والجمعيات والهيئات المدنية بشكل عام . إن التعاضد والتكاتف بين جميع الجهات المسؤولة والتنسيق المباشر بين إداراتها وتبادل الرأي والمشورة بين القائمين عليها هو السبيل المؤدي الى نجاح الخطط والبرامج الوطنية في اداء دورها المنشود في التنمية الشاملة وتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة في خدمة الأجيال الحاضرة والقادمة . أعضاء مجلس عمان الكرام .. أيها المواطنون الأعزاء .. إن بناء الدولة العصرية التي تعهدنا بإقامتها منذ اللحظة الأولى لفجر النهضة المباركة قد اقتضى منا بذل جهود كبيرة في مجال إنشاء البنية الأساسية التي هي عماد التنمية الشاملة وركيزتها الأولى وتوفير هذه البنية في شتى ربوع السلطنة أتاح ولله الحمد فرصة كبرى للتطور العمراني في مختلف المدن والقرى على امتداد الساحة العمانية ومهد لإقامة مشروعات اقتصادية وتجارية وصناعية عديدة ومنشات تعليمية وثقافية وصحية واجتماعية متنوعة . وهذا لا يخفى على أي مراقب ومتابع لحركة الحياة في جوانبها المتعددة على ارض عمان الطيبة ولا عجب في ذلك . فالعمانيون منذ القدم صناع حضارة ولهم موروثهم التاريخي العظيم وانفتاحهم على الحضارات الأخرى عبر البحار والمحيطات وسعيهم الى التواصل مع الآخرين وتبادل المنافع المشتركة معهم ما يؤهلهم ليكونوا قدوة ومثلا في مجال التطور المتسارع والتقدم المتنامي والقدرة على مواكبة العصر والأخذ بكل جديد مفيد فيه من أفكار مستنيرة وعلوم نافعة وتقنيات متجددة مع التمسك دائما بالقيم والمبادىء الرفيعة التي يؤمنون بها والتقاليد والعادات الأصيلة التي نشأوا عليها .وإذا كان التطور كما هو معلوم سنة من سنن الكون إلا انه لابد لتحقيقه من توفير أسباب عديدة في مقدمتها الإرادة القوية والعزيمة الصادقة ومواجهة التحديات والاصرار على تذليل الصعوبات والعقبات لذلك كان على كل أمة ترغب في الحياة بكل ماتشمله هذه الكلمة من معنى ان تشمر عن ساعد الجد فتعمل بلا كلل أو ملل وفي اخلاص وتفان وحب للبذل والعطاء مستغلة طاقاتها ومهاراتها مستثمرة مواردها وإمكاناتها من اجل بناء حاضر مشرق عظيم والاعداد لمستقبل زاهر كريم وانه لمن توفيق الله أن أمد العمانيين بقسط وافر من هذه الاسباب فتمكنوا خلال العقود الاربعة المنصرمة من تحقيق منجزات ستظل خير شاهد لا ينكرها ذو بصر وبصيرة .فالشكر له سبحانه على ما أسدى وأعطى وأنعم وأكرم والإبتهال إليه تعالى في ضراعة وخشوع أن يهب هذا الجيل من أبناء عمان وبناتها وكذلك الاجيال اللاحقة القدرة على صيانة هذه المنجزات والحفاظ عليها من كل سوء والذود عنها ضد كل عدو حاقد أو خائن كائد أو متربص حاسد فهي أمانة كبرى في أعناقهم يسألون عنها أمام الله والتاريخ والوطن . أعضاء مجلس عمان الكرام.. أيها المواطنون الأعزاء .. لقد أكدنا دائما اهتمامنا المستمر بتنمية الموارد البشرية وذكرنا أنها تحظى بالأولوية القصوى في خططنا وبرامجنا فالإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي وهو قطب الرحى الذي تدور حوله كل أنواع التنمية إذ إن غايتها جميعا هي إسعاده وتوفير أسباب العيش الكريم له وضمان أمنه وسلامته ولما كان الشباب هم حاضر الأمة ومستقبلها فقد أوليناهم ما يستحقونه من اهتمام ورعاية على مدار أعوام النهضة المباركة حيث سعت الحكومة جاهدة إلى إن توفر لهم فرص التعليم والتدريب والتأهيل والتوظيف . وسوف تشهد المرحلة القادمة بإذن الله اهتماما اكبر ورعاية أوفر تهيئ مزيدا من الفرص للشباب من أجل تعزيز مكتسباته في العلم والمعرفة وتقوية ملكاته في الإبداع والإنتاج وزيادة مشاركته في مسيرة التنمية الشاملة . ولما كان التعليم هو الركيزة الأساسية للتقدم والتطور ولإيجاد جيل يتحلى بالوعي والمسؤولية ويتمتع بالخبرة والمهارة ويتطلع الى مستوى معرفي أرقى وأرفع فأنه لابد من إجراء تقييم شامل للمسيرة التعليمية من أجل تحقيق تلك التطلعات والاستفادة من فرص العمل المتاحة في القطاعين العام والخاص . لقد استوعبت المشروعات العمرانية والاقتصادية والتجارية والصناعية في مختلف أرجاء السلطنة خلال المرحلة الماضية العديد من الأيدي العاملة الوطنية وأثبت القطاع الخاص تعاونه في تحمل المسؤولية حيث اضطلع بدور ملموس بالتعاون مع الحكومة في دعم جهود التنمية المستدامة ونحن نتطلع إلى دور أكبر يقوم به في المستقبل خاصة في مضمار تنمية الموارد البشرية . إننا ننظر بارتياح إلى الجهود التي قامت بها الحكومة خلال الفترة القريبة الماضية في تنفيذ ما وجهنا به نحو توظيف آلاف من أبنائنا وبناتنا في القطاعات المدنية والأمنية والعسكرية وكذلك نود أن نعبر عن استحساننا للجهود التي قام بها القطاع الخاص في هذا المجال الهام. أعضاء مجلس عمان الكرام .. أيها المواطنون الأعزاء .. لقد كفلت قوانين الدولة وأنظمتها لكل عماني التعبير عن رأيه والمشاركة بأفكاره البناءة في تعزيز مسيرة التطور التي تشهدها البلاد في شتى الميادين ونحن نؤمن دائما بأهمية تعدد الآراء والأفكار وعدم مصادرة الفكر لان في ذلك دليلا على قوة المجتمع وعلى قدرته على الاستفادة من هذه الآراء والأفكار بما يخدم تطلعاته إلى مستقبل أفضل وحياة أسعد وأجمل . غير إن حرية التعبير لاتعني بحال من الأحوال قيام أي طرف باحتكار الرأي ومصادرة حرية الآخرين في التعبير عن أرائهم فذلك ليس من الديمقراطية ولا الشرع في شيء . ومواكبة العصر لاتعني فرض أي أفكار على الآخرين . هكذا يعلمنا ديننا الحنيف فقد امتدح الله عز وجل المؤمنين بقوله في محكم كتابه(وأمرهم شورى بينهم) وهذا أيضا ما تقضي به قوانين العصر الذي نعيشه وكما لايمكن السماح باحتكار الرأي وفرضه على الآخرين لايمكن في الوقت ذاته السماح بالتطرف والغلو من جانب أي فكر كان لان في كل ذلك إخلالا بالتوازن الواجب بين الأمور والذي على أساس منه تتخذ القرارات الحكيمة التي تراعي مصالح الجميع . وكما ان الفكر متى ما كان متعددا ومنفتحا لايشوبه التعصب كان اقدر على ان يكون الأرضية الصحيحة والسليمة لبناء الأجيال ورقي الأوطان وتقدم المجتمعات . فان التشدد والتطرف والغلو على النقيض من ذلك والمجتمعات التي تتبنى فكرا يتصف بهذه الصفات إنما تحمل في داخلها معاول هدمها ولو بعد حين . ونحن إذ نؤكد رفض مجتمعنا العماني لأية دعاوى لاتتفق وطبيعته المتسامحة المعتدلة .. ننبه كل المختصين إلى إن التوعية مهمة للغاية من اجل فهم الأمور على حقيقتها وعدم ترك المجال لأي تكهنات لاتقوم على أسس سليمة . فسياسة السلطنة قائمة على تحقيق التوازن في الحياة اتباعا لقوله تعالي وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولاتبغ الفساد في الأرض ) صدق الله العظيم . لقد فطرنا في هذا البلد ولله المنة والحمد على السماحة وحسن المعاملة ونبذ الأحقاد ودرء الفتن والتمسك بالأعراف والقيم القائمة على الإخاء والتعاون والمحبة بين الجميع . وأننا نؤكد على ضرورة ان تغرس هذه السجايا الحميدة والقيم الرفيعة في نفوس النشء منذ نعومة إظفارهم في البيت والمدرسة والمسجد والنادي وغيرها من محاضن التربية والتثقيف لتكون لهم سياجا يحميهم من التردي في مهاوي الأفكار الدخيلة التي تدعو إلى العنف والتشدد والكراهية والتعصب والاستبداد بالرأي وعدم قبول الأخر وغيرها من الأفكار والآراء المتطرفة التي تؤدي إلى تمزيق المجتمع واستنزاف قواه الحيوية وإيراده موارد الهلاك والدمار والعياذ بالله . أعضاء مجلس عمان الكرام .. أيها المواطنون الأعزاء .. إن العمل الحكومي ــ كما هو معلوم ــ تكليف ومسؤولية فيجب أداؤه بعيدا عن المصالح الشخصية وتنفيذه بأمانة تامة خدمة للمجتمع . كما يجب سد كل الثغرات أمام أي طريق يمكن إن يتسرب منها فساد . واننا نؤكد من هذا المقام على عدم السماح بأي شكل من أشكاله ونكلف حكومتنا باتخاذ كافة التدابير التي تحول دون حدوثه وعلى الجهات الرقابية ان تقوم بواجبها في هذا الشأن بعزيمة لا تلين تحت مظلة القانون وبعيدا عن مجرد الظن والشبهات . فالعدالة لابد إن تأخذ مجراها وان تكون هي هدفنا ومبتغانا ونحن بعون الله ماضون في تطوير المؤسسات القضائية والرقابية بما يحقق تطلعاتنا لترسيخ دولة المؤسسات . فدعمنا للقضاء واستقلاليته واجب التزمنا به واحترام قراراته بلا محاباة أمر مفروغ منه فالكل سواسية إمام القانون . أعضاء مجلس عمان الكرام .. أيها المواطنون الأعزاء .. إننا نعيش في عالم يشهد تطورات متلاحقة على الصعيدين الإقليمي والدولي تحدث آثارا متباينة وردود فعل متعارضة . ولما كان تداخل المصالح والسياسات سمة مميزة لهذا العالم فانه لايمكننا أن نكون بمعزل عما يدور حولنا . وقد عرفت السلطنة دائما بانتهاجها سياسة واضحة المعالم تقوم على أساس التعاون مع الجميع وفق مبادئ ثابتة تتمثل في الاحترام المتبادل وتشجيع لغة الحوار ونبذ العنف في معالجة الأمور وصولا إلى مجتمعات يسودها التآخي والاستقرار مما يكفل للشعوب مواصلة مسيرتها التنموية وانجاز أهدافها في التقدم والرخاء في مناخ يتسم بالأمن ويخلو من الاضطرابات ويشجع على تنفيذ الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية وفقا للأولويات التي تقررها المصلحة العامة. ونحن في السلطنة وعلى الرغم من الأزمات التي تجتاح العالم وماتشكله من صعوبة في التنبؤ بحدودها ومداها الزمني وانعكاساتها السلبية على اقتصادات الدول . إلا إننا نسعى جاهدين للتقليل من تلك الاثار بانتهاج سياسات اقتصادية متوازنة حفاظا على ماتحقق من مكتسبات ودعما للخطط الإنمائية في مجالاتها المتعددة عاقدين العزم على استكمال بنيان الدولة العصرية القائمة على أسس متينة تضمن لها استمرار تنمية الموارد الطبيعية والبشرية ونشر العلم والثقافة والمعرفة وتوفير الأمن والاستقرار وتوطيد قواعد العمل المؤسسي مما يؤدي بعون الله الى مزيد من النماء والرخاء والعيش الكريم لكل المواطنين . وفي ختام كلمتنا نتوجه بالتحية والتقدير إلى العاملين المخلصين من أبناء وبنات عمان في كل موقع من مواقع المسؤولية والى كل من يسهم في إعلاء شأن عمان ورفعة مكانتها ومنزلتها وحماية مكتسباتها والحفاظ على منجزاتها وأمنها واستقرارها خاصة قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية التي هي عنوان التضحية والفداء والتي نؤكد لها استمرار رعايتنا ودعمنا وعنايتنا بتطوير قدراتها وإمكاناتها . ربنا اجعل هذا البلد أمنا وارزق أهله من الثمرات وأهدهم إليك صراطا مستقيما . وفقنا الله وإياكم وكل عام وانتم بخير . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
"حفظك الله وبالهدى انار دربك.."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق